كيف نفكر بحب

كيف نفكر بحب


 

لماذا بعض الاشخاص بغيضون ؟


 


 

يعد هذا السؤال واحدا من أكبر المعضلات الفكرية التي نخوضها بشكل شبه يومي .


 لماذا هم خداعون، خبيثون
  ،لئيمون ،جبناء و لا يمكن الوثوق بهم؟ 


 


 

تميد بنا هذه الاسئلة يميناً وشمالاً لإيجاد أجوبه لها، و خلال بحثنا عن الاجوبة نتخذ طريقاً مختصراً و نتجه نحو معيار نمطي و هو " لأنهم ببساطة أشخاص سيئون " قد يكون هذا الاستنتاج قاسياً لكننا نشعر بأنه حقيقي و مناسب في هذه الحالة.


 

و لكن عندما نشعر بالصفاء الذهني ندفع ذاتنا لخوض تجربة فكرية غير عادية و التي من شأنها أن تتحدى اليقين الذي توصلنا اليه و تجعل الأمر اكثر صعوبة و تعقيداً وهي " ماذا لو نظرنا اليهم بعين المحب " ؟ 


 

تتطلب التجربة قدره على التحمل ، و يفضل إختيار أكثر أوقات يومنا هدوءاً و انعزالاً ، لأن هذه التجربة المحورية ستعد لاحقاً من أهم انجازاتنا الاخلاقية 


 

من البديهي أننا سنقف بصف آرائنا و نؤمن بصحة وجهة نظرنا حيالهم و لكن في بعض الأحيان تتولد لدينا قدرة للنظر للمسيئين من خلال زاوية أقرب مما إعتدنا عليه ، لنكتشف أن واقعهم أكثر تعقيداً مما ظننا ، و وأنه على العكس من دوافع غضبنا تجاههم هم يستحقون التعاطف و المراعاة ، على الرغم من إنهم تسببو لنا بالالم و الإحباط ، وسلوكهم الفض يتعارض مع ما نتوقعه منهم ،و على الرغم من رغبتنا المحضه بأن ندعوهم بالاغبياء الخبيثين لكننا نمضي تاركين خلفنا النظر الى الاشخاص المسيؤن بأعين الحب 


 

يتضمن عدة امور منها :-


 

١-الخيال 


 

ينص التفكير الاخلاقي على أنه يمكننا التعرف على حقيقة الاشخاص عن كثب من خلال طريقة تصرفهم في ظل الظروف الصعبة.


 

بينما التفكير بحب يدفعنا لأتجاه آخر ، يحثنا على إستخدام الخيال ،حتى نستطيع تصور لما كان عليهم فعل هذا التصرف المشين ؟و بنفس الوقت نمزج تساؤلنا بقليل من التعاطف و التفهم حتى نستطيع الاجابة عنه بعدل ،لربما كانوا مذعورين ، أو تحت ضغط شديد ،أو كانو قلقين و يائسين ؟ لربما  كانو يحاولون قول و فعل شيء آخر،  لكن كان ذلك كل ما استطاعوا ان يظهروه.


 

أولئك الذين يفكرون بحب ، يرون أن خلف الغضب و الصراخ يكمن حزن و آسى و ندم لا يُحتل ، ليس ذلك فقط لكن أيضا يرون أن رداء التفاخر و الغرور مصنوع من خيوط النقص و الضعف ،و يؤمنون أن الصدمات و الخيبات المبكرة التي تعرض لها المسيؤن شكلت حجر الأساس لتجاوزاتهم السلوكية الحالية ،من يفكرون بحب سيتذكرون دوماً أن الشخص المسيء كان يوماً ما طفلاً بريئاً .


 

أولئك الذين ينظرون بحب يتمسكون بمعتقد أن النقاء و الطيبة دائماً ما تكون حاضرة خلف الستار في شخصيات المسيؤن مع وجود إحتماليه لنمو تلك الشخصيات و تبصرها في واقع سلوكها مما سيدفعها لاحقاً للندم على ما اقترفته ، التذكر دوماً أنه إذا تم التفكير بعمق في طفولة شخص ما و ماضيه ، سينتج عن ذلك انطباعاً أقل كارثيه عن وقاحته و قبح أفعاله.


 


 

٢-انه يتألم و ليس شخصاً سيئا  


 


 

الذين يفكرون بحب يرفضون الإيمان بوجود الشر ، يرون ببساطة أن السلوك المسيء نتج عن ألم ،الذي يصرخ ،لم يشعر من قبل أن رأيه مهم حتى يتم الاستماع له ،الذي يعيب و يسخر باستمرار قد تمت اهانته كثيراً من قبل ،حتى إنطفئت روحه و انتزع الامل منها ،هذه بالتأكيد ليست اعذارً  في صالحهم كي يتنصلوا من المسؤلية ،انما هي مجرد معلومة تنص على أن التصرف السيء هو إستجابه لجرح و ليس أبدا فعلاً مجرداً. 


 

يتمثل الهدف الاساسي من التفكير بحب ،هو بالتمسك بتلك الشخصيات في أكثر المواقف إثارة للتحدي ، و بالتمييز بين أفعالهم الصريحة بخبثها ، و الدوافع المثيرة للشفقة التي تكمن ورائها.


 

٣-العمق و ليس السطحية


 

يركز التفكير الاخلاقي على الفعل ذاته ، بينما يركز التفكير بحب على القصة وراء الفعل المشين ، الزوج الغاضب الذي يهجر عائلته ،لفعلته هذه جذور قديمة تحديداً في طفولته ، عاش مع والدين غير متزنين بعلاقتهما ، إفتقد الاستقرار و خسر براءة طفولته بمجاراته لمشاكلهم.


 

قد نقرأ  عناوين  في الصحف 

مثل " فضيحة الرئيس التنفيذي للشركة ...." هي ليست قصة طمع و جشع و رشوات ، انما قصة يأس و خسارة و تعب نفسي ، مهمة التفكير بحب حيال تلك الشخصيات هي الفضول المحض الذي حتماً سيقودهم نحو السبب.


 

٤-الطفل بداخلهم 


 


 

التفكير بحب يعني أن نتذكر الطفل الذي يكمن بداخلهم ،ذلك المسيء قد يكون بالغاً لكن سيظل سلوكه دوماً مرتبط بسنوات طفولته الاولى ،غالباً نحرص على أن لانظهر بمظهر  الرعاة و نعاملهم و كأنهم قُصر و لكن أحيانا يجب أن نتجاهل حقيقية أنهم راشدون حتى لا تتعارض مع قدرتنا على رحمة و احتواء ذلك الرضيع الغاضب المرتبك الوحيد القابع فيهم. 


 

نحن لا نتعامل بشكل شرير عندما نكون حول أطفال أشقياء ، لا ننحني نحوهم و نقول لهم كلاماً فضا ، بل نبحث عن طرق أقل فظاعة لنجعلهم يدركون مافعلوه من خطأ ،و لا تكون عادةً لدينا نية سيئة تجاه تلك الكائنات الصغيرة ، و غالباً ما نفتش عن تفسيرات تبرء نيتهم ،لربما هم منهكون ،أو يغارون من الطفل الجديد ،أو يشعرون بتوعك صحي ، و الكثير غيرها من التفسيرات حاضره دوماً لدينا.


 

و هذا عكس مانفعله عندما يصدر الفعل المسيء من شخص بالغ نفترض أنه تعمد ذلك ،ولكن إن تعمقنا بالنظر في الطفل الذي بداخلهم فيسكون تفسيرنا الاول مختلفاً تماماً ، بإعتبار أن كل بالغ سيظل جزء منه غير ناضج بعد ،بعض المسلمات التي نتعامل بها مع الأطفال يجب أن يكون للبالغين أيضا نصيباً منها .


 

٥-احتمالية وجود مأساة 


 

التفكير الاخلاقي يعتقد أن الاشخاص يحصلون على مايستحقون ببساطة ، بينما التفكير بحب يرى أن هناك وجود للمأساة ،مهما كان الشخص جيداً سيكون وارداً أن يفشل يوماً و يسقط ، نحن لانعيش في عالم مثالي ،المأساة تعلمنا أن الأحداث الأكثر إثاره للصدمة من الممكن أن تمس الاشخاص البريئين و الخبيثين على حد سواء ،الكارثة موزعه تحديداً على أولئك الذين يعتقدون أن القادم سيكون سيئاً نتيجة لما اقترفوه من فعل ،يؤمن المفكرون بحب باحتمالاً استثنائياً و مخيفاً و نادراً مايكون مقبولاً و هو أن الكارثة ليست بالضرورة محصورة فقط على الطغاة


 


 

٦-الصبر


 

المفكرون الأخلاقيون يصلون الى ايمانياتهم بسرعة ،بينما الذين يفكرون بحب يستغرقون وقتهم ،و يبقون ساكنين أمام تصرف مزعج بشكل واضح ،غضب عارم و مفاجئ كأنه إنفجار جرم كوني ،اتهام همجي ،ورأي لئيم جداً ، المفكرون بحب يصلون بسهولة لتفسير منطقي في هذه الحالة و يحتفظون بالذكريات الجميلة للشخص الذي هو حالياً مسيء و غاضب لكنه جوهرياً لطيف ،يعرفون أنفسهم بشكل جيد حتى يفهموا أن التخلي عن وجهة نظرهم حيال المسيئين هو شيء طبيعي وعادي ويدل على تخطي الإرهاق النفسي ،إنهم لا يزيدون خطورة موقف مُحتد من خلال إنصاف الذات و هو عارض يدل على عدم معرفة الشخص بالموقف الذي هو فيه حالياً ،و للتذكير ، الشخص الذي يضرب يده على الطاولة غضباً ، أو أن يقول رأي متطرف جداً هو غالباً مايكون قلق، مذعور، جائع، أو  أنه فقط متحمس ، هذه حالات تدعونا الى التعاطف معهم بدلاً من الاشمئزاز 


 

٧-استرداد المميزات


 

يرى المفكرون بحب أنه لكل شخص نقاط قوه مثلما لديه نقاط ضعف ،عندما يواجهون ضعفهم لا يصلون إلى إستنتاج أن هذا فقط كل ماهو موجود فيهم ،هم يعلمون أن كل صفة في الجانب السلبي يقابلها صفه أخرى على الجانب الايجابي ،يبحثون بدأب أكثر عن نقاط القوة التي قد تكون توأم لصفة مجنونة ،يمكننا أن نرى بسهولة أن أحدهم متحذلق و عنيد، و ننسى في أوقات الخلاف صدقهم و إخلاصهم لنا ،قد نعرف الكثير عن فوضى أرواح بعض الاشخاص و ننسى أن نضيف لمعرفتنا درجة حماستهم و إندفاعهم الغير مألوف الذي قد يتسبب بخلافات .


 

لا وجود لشخص ضعيف تماماً من غير أي نقاط قوة ،كما لا يوجد شخص قوي و من غير أي نقاط ضعف ،السلوان هنا أنه لا يمكن عزل عيوب شخص ما عن  بقية شخصيته الكامله ،الحب يبنى بالتكرار و التسليم رويداً رويداً لحقيقة انه لا وجود لروحٍ  خالية من العيوب و الضعف نهائياً .


 


 

٨-نحن أيضا خطاؤن 


 

أعظم حافز للتفكير بحب هو الوعي بحقيقة أنه نحن أيضا لسنا مثاليين و قد نكون أحيانا غير منطقيين ،عدو كرم الاخلاق هو الإعتقاد بأنه لا يمكن أن نخطئ ابداً ،يبدأ التفكير بحب عندما نقر بواقع أننا على حد سواء تملئنا العيوب ،إيماننا التام بمثاليتنا قد يحولنا الى قضاة قاسون يلقون بإحكام جائرة على الآخرين و من نحن حتى نفعل ذلك ؟ عندما ننظر للعالم بعين المحب سنتوصل إلى إستنتاج يقر بأنه لا وجود لشخص سيء .
 


 

ببساطة هناك دوماً ألم و معاناة و قهر شكلت أفعال سيئة و مؤسفة للغاية ،و هذا الاستنتاج ليس دعوة مفتوحة لأن تكون دوماً لطيفاً بل هو دعوه للبحث عن الحقيقة و الغوص في عمق النفس البشرية التي هي في نهاية الامر متشابهه ،حتى نستطيع فهم  الأسباب وراء تلك الافعال الشائنة .

  • مشاركة